يبدو أن مظاهر التفريط في السيادة الوطنية التي أتاحتها حكومة هادي لمن هَبَّ ودَبَّ من الطامعين في اليمن وثرواته، أيقظ أحلام المحتلين القدامى لاستعادة إمبراطورياتهم الاستعمارية في المحافظات الجنوبية.
منذ بدأت العمليات العسكرية لقوات التحالف عام 2015، أصبحت الأجواء اليمنية مستباحة لطائرات من مختلف الجنسيات، ومثلها الموانئ والمنافذ البرية، ودخلت الأراضي اليمنية جيوش استقدمها التحالف من دول عدة، وباركت حكومة هادي كل ذلك بما فيه حقول النفط والثروة السمكية في عدد من المحافظات، تحت عناوين الحماية، وكان ذلك تجسيداً لأبشع صور التفريط في السيادة.
كل ذلك كان مدعاة لإيقاظ الحلم البريطاني القديم، واستعادة السطوة والهيمنة التي استمتع بها الانجليز 129 عاماً من احتلالهم عدن والمحافظات الجنوبية، حيث وصلت تلك السنوات الطويلة من الاحتلال إلى قناعة لدى البريطانيين بأن تلك الأرض ملكٌ خالص لهم، ولم يدركوا أن اليمني لا يترك أرضه ولا تسقط سيادته عليها بالتقادم إلا بعد ما استعادها وطرد جيوشهم منها.
بدأت بريطانيا بمحاولة استعادة عهدها الاستعماري مستغلة حالة التفريط في السيادة، التي أوجدتها حكومة هادي خلال السنوات الخمس الماضية، وكانت البداية تحمل عنوان التعاون مع سلطنة عمان لإخراج الإمارات من المحافظات اليمينة الشرقية، حسب تقرير نشره موقع "هفنجتون بوست" في شهر مايو من عام 2018، حيث وضعت بريطانيا خطة عسكرية لتسليح قبائل المهرة لإخراج الإماراتيين من المحافظة، حسب ما أفاد نائب من حزب المحافظين البريطاني وضابط سابق في الجيش.
ورغم أن بريطانيا ليست في حالة حرب رسمية مع اليمن؛ إلا أن قواتها مشاركة في العمليات العسكرية التي يقودها التحالف، حيث يوجه الضربات الجوية ضباط بريطانيون، وفي شهر مارس من عام 2019 نشرت صحيفة "ديلي ميل" تقريراً ذكرت فيه أن خمسة من قوات الخدمة الخاصة للقوارب، كجزء من حملة عسكرية سرية للغاية لبريطانيا في اليمن، تعرضوا لإطلاق نار أثناء خدمتهم في اليمن، وذكرت الصحيفة أن العشرات من قوات الكوماندوز لا تزال موجودة على الأراضي اليمنية، بما في ذلك المراقبون الجويون المتقدمون، الذين يوجهون الضربات الجوية السعودية.
نائب رئيس لجنة الاعتصام السلمي لأبناء محافظة المهرة، الشيخ عبود هبود قمصيت، صرح بأن جنوداً وضباطاً بريطانيين موجودون الآن في المحافظة، إلى جانب القوات السعودية التي تسيطر على المطارات والمنافذ وتتحكم في مؤسسات الدولة، داعياً حكومة المملكة المتحدة ممثلة في سفيرها لدى اليمن، مايكل آرون، إلى سحب جنودهم من المهرة والتراجع عن مشاركة القوات السعودية في احتلالها.
وتؤكد مصادر محلية في محافظة المهرة أن السعودية لا تزال تعزز قواتها هناك، وكان آخر تلك التعزيزات 18 قاطرة تحمل جنوداً سعوديين وعربات عسكرية ومدرعات وذخائر وأسلحة.
قوات خاصة بريطانية في المهرة، وتجنيد أطفال وتدريبهم، وبيع أسلحة للقوات السعودية بمليارات الجنيهات الاسترلينية، لا غرابة في هذه الجهود البريطانية على أرض المهرة، فحكومة هادي أباحت الأرض والأجواء اليمنية ولا تعترض على أي انتهاك حتى ببيان، إذا لم تكن هي من تقدم التسهيلات وتوقع على تصاريح عبور.
يرى مراقبون أن التحركات الإماراتية في المحافظات اليمنية الشرقية، خصوصاً المهرة، قد يكون ضمن خطة عسكرية مدروسة ومعدة جيداً لاستعادة بريطانيا نفوذها في عدن، غير مستبعدين أن تكون هناك نوايا لاحتلالها من جديد، خصوصاً أن حكومة هادي هيأت ظروفاً ملائمة لكل من يطمع في السيطرة على المواقع الاستراتيجية ومناطق الثروات.