أحاطت السعودية نفسها، لعقود من الزمن، بهالة من القداسة والتبجيل لدى كثير من شعوب العالم العربي مستغلة عناوين زائفة باسم الإنسانية والعمل الخيري.
حتى تمكنت، إلى حد ما، من إخفاء وجهها القبيح ونظامها القمعي سواء على مستوى الداخل السعودي المكبل بشتى أنواع الظلم وقمع الحريات وكتم أنفاس الأحرار الذين أدركوا مبكرا حجم الظلم الذي يحكمهم به النظام السعودي، أو على مستوى الدول العربية التي جعلت السعودية حكوماتها وأنظمتها مجرد تابعين لها ولو على حساب شعوبهم ومواطنيهم وثرواتهم، وكان سفراء المملكة في غالبية الدول العربية هم المتحكمون الفعليون بسياسات تلك الدول ومواقف حكامها وأنظمتها، حتى تجاه شعوبهم، وكانت التدخلات السعودية حاضرة في غالبية السياسات العربية وفق ما حدده منذ وقت مبكر رعاتها الدوليين حيث كانت أداتهم الأبرز وخادمهم الوفي في الشرق الأوسط.
وكشفت متواليات الأحداث أن السعودية وسياساتها التدخلية في دول المنطقة كانت السبب وراء كل ما حدث ويحدث من أزمات واغتيالات سياسية، وانقلابات عسكرية، فضلا عن أن بقاء غالبية البلدان العربية في وضع متأخر ومتخلف حضاريا أو اقتصاديا كانت المملكة هي من تقف خلف تلك الحالات، حتى وإن كانت تلك البلدان ذات ثروات طبيعية ومواقع استراتيجية تؤهلها لتكون في مقدمة التقدم الاقتصادي والعلمي، وكان اليمن أحد تلك النماذج، حيث حرصت المملكة على بقائه خلف خطوط التقدم في شتى المجالات، وظلت المملكة حريصة على أن تكون حكوماته المتعاقبة صناعة سعودية تضمن بقاءه في الصفوف المتأخرة رغم امتلاكه كل ما يضمن قفزه إلى مقدمة الصفوف وهو أغنى بلد بالثروات على اختلاف تنوعها.
ومنذ بدأت العمليات العسكرية التي شنتها السعودية على اليمن عام 2015 تحت مسمى عاصفة الحزم، في إطار التكتل الذي أطلق عليه "التحالف العربي"، وذريعة إعادة شريعة هادي، منذ ذلك الحين بدأت تتكشف أمام الرأي العام العربي والعالمي حقائق كانت محاطة بتكتم شديد وقمع أشد ضد كل من يحاول كشف تلك الحقائق عن المملكة، وكان اليمنيون هم أول من كسر ذلك الحاجز وبدد تلك الهالة الزائفة التي أخفت كل ذلك القبح طيلة العقود الماضية.
وحسب مراقبين فإن حرب السعودية على اليمن والجرائم التي طالت المدنيين والأطفال والنساء والبنى التحتية، وما حدث بعدها من تغيرات في موازين المعركة وتمكن المقاتلين اليمنيين من كسر شوكة أعتى ترسانة أسلحة جمعتها السعودية لقتالهم وفشلت في تحقيق أهدافها، كل ذلك كان أحد أهم أسباب كسر هيبة المملكة بدءا من الداخل السعودي وصولا إلى مستويات عربية وعالمية.
ويؤكد المراقبون أن أصوات المعارضين السعوديين لنظام الحكم داخل المملكة لم ترتفع من قبل كما حدث بعد تدخل المملكة في اليمن، حيث كشفت تلك الأصوات أن المعارضين والناشطين الحقوقيين يتعرضون لأكبر عمليات القمع والتنكيل، فالسجون السعودية مكتظة بالمعارضين، والآلاف منهم منفيون في عدد من دول العالم، بما فيهم أمراء من الأسرة الحاكمة نفسها، فضلا عما تتعرض له الأقليات الشيعية في محافظات جنوب المملكة من قمع ومصادرة للحريات وعنصرية مفرطة حتى على مستوى المشاريع الخدمية.
فشلت السعودية عسكريا في اليمن، ولم يبق أمامها سوى حيلة العاجز، فكثفت حربها الاقتصادية لتجويع اليمنيين، وأباحت منافذهم أمام الأوبئة القاتلة، وأوصلها عجزها مجددا إلى مضاعفة القيود القانونية على المغتربين اليمنيين، بعد محاولة سلطاتها إلصاق تهمة قتل الشيخ مسفر القحطاني، في منزله جنوب غربي المملكة، باثنين من المغتربين اليمنيين.
لم تسم السلطات السعودية من اتهمتهم بقتل الشيخ القحطاني، وكانت الرواية الرسمية متخبطة حيث اكتفت بإعلان أنهم اثنان من المغتربين اليمنيين، الأمر الذي فسره مراقبون بأنه محاولة جديدة لخلق مبررات للتضييق على المغتربين اليمنيين، على خلفية أحقاد النظام السعودي القديمة الجديدة على الإنسان اليمني، مؤكدين أن التحريض هذه المرة تكتنفه نوايا مبيتة تبعث على القلق.
ويؤكد المراقبون أن النوايا السعودية المبيتة ضد المغتربين اليمنيين تظهر جليا في تحريض مسئولين سعوديين ضدهم على منصات التواصل الاجتماعي بعد مقتل الشيخ القحطاني، وعادة ما تمرر السعودية رسائلها ونواياها عبر أولئك المغردين، ولا تزال الرواية السعودية عن مقتل القحطاني محفوفة بالتناقضات والغموض، إلا أن المغتربين اليمنيين هم الهدف هذه المرة الأخطر من سابقاتها، حسب المراقبين.