* مقدمة
قصة تجلت فيها قدرة الله و إعجازه ورحمته عز وجل بأيتام كانوا قد فقدوا الأمل في الحياة الهانئة الكريمة قصة بدأت قبل عام ونصف ، قصة تحكي صيادين متوكلين على رب العالمين تركوا ابنائهم وديعة بين يدي الله و ارتحلوا الى البحر بحثا عن ارزاقهم و رغيف خبز يسدون به رمق اطفالهم من الجوع دون الحاجة الى الخلق من دون الخالق ، هو الصياد الذي يمثل عصب هام يرفد خزينة الدولة و احد اهم اعمدة الأقتصاد الوطني الذي ترتكن عليه خزينة الدولة ليرفدها بالعملة الصعبة الا انه يعيش حياة البؤس والشقاء و شبح الفقر يلتصق بحياته منذ يوم ميلاده و لا يفارقه الا يوم مماته و مغادرته دنيا الفناء.
قبل عام ونصف غادر القارب رقم 682 ميناء الإصطياد السمكي بالحديده و على متنه اربعة صيادين بقيادة الناخوذة محمد المجهصي ، دون وجهة يقصدها عدى البحث عن ما تيسر من رزق البحر و خيراته التي يمن بها الله على مثل هؤلاء البسطاء ليملؤا قاربهم ببعض من الاسماك و الاحياء البحرية ثم يعودون ليبيعون هذا العطاء الرباني ، منه يسددون ما استدانوه من دين ثمناً لتموين رحلتهم و ماتبقى يقضون به حوائجهم من احتياجات منازلهم و اشباع بطون اسرهم ومن يعولون ، حط البحر رحاله بقاربهم في جزيرة تسمى رشه و زامن وصولهم رياح طافت بالبحر و اشتد زائيرها فأخافت الاسماك و اختبأت في اخوارها ، عادة في مثل هذه الاجواء يصعب الصيد ويندر وجود الأسماك ، فأضطر طاقم القارب للانتظار ثلاثة ايام على أمل ان تخف الرياح دون فائدة ، اتصل الناخوذة بمالك القارب و ابلغه بوضع الريح و نيته مع طاقمه في العودة الى الحديدة ، خصوصاً ان مؤونتهم قد اوشكت على النفاذ ، شمر الطاقم ساعده و انتوى العودة متأملا ان تتلاطف بهم مشيئة الله و توصلهم بسلامة و امان الى اطفالهم و اسرهم سالمين. اثناء العودة اشتدت الرياح و تعالت الامواج و لم يستطيع القارب التقليدي الصغير مقاومة قوة الريح التي تعصف به و بطاقمه ، قارب صغير توقفت عليه حياة اربعة من الصيادين و تعلق به وجودهم ، قارب مصنوع من الفيبر يقاوم الماء ولكنه لايقاوم الريح العاتية و الامواج الهائجة التي تتمايل به بقوة تارة نحو اليمين و تارة نحو اليسار و قلوب الصيادين راجفة قد تعلقت بحبل الله و الامل بالنجاة ، و لكن ارادة الله كانت قد نفذت و امره قد صدر و لاراد لقضاء الله ... أنقلب بهم القارب و ابتلعت مياه البحر العاتية الصيادين الاربعة و ارتقت ارواحهم لبارئها.
انتظر مالك القارب يوم كامل عودة الناخوذة و طاقمه او التماس اي خبر ينبئ عنهم ، و لكن لم يصل احد منهم ، ولم تتوارد اي اخبار عنهم طوال ذلك اليوم فتم ابلاغ كافة الجهات الأمنية و تشكلت فرق بحث عن القارب الصغير و الصيادين المفقودين من مجتمع الصيادين انفسهم استمرت لمدة ثلاثة ايام لم تفلح في العثور عليهم او على اي اثر يدل على ما حدث لهم ، بعد عدة ايام وجد بعض الصيادون خزان المياه و بعض متعلقات الطاقم وتم التعرف عليها و تيقن الجميع انهم قد غرقوا و توفوا.
مر عام ونصف على الحادثة ، عانى فيها اطفال الصيادين المفقودين الكثير من فاقة الفقر و اليتم ، بعد عام ونصف عثر احد الصيادين على القارب المفقود و تم ابلاغ مالكه الذي التقى بمدير عام الموانئ و المراكز عزيز العطيني كممثل لهيئة المصائد السمكية و الذي تواصل مع قيادة الهيئة ممثلة برئيسها المهندس هاشم الدانعي و نائبه محمد العميسي و بالتنسيق معهم وجه بتشكيل فريق للبحث وتحديد موقع القارب المفقود و انتشاله و اعادته الى ميناء الحديده علما ان هذه المبادرة تعتبر مبادرة نوعية للهيئة في اطار سعيها الدائم لتثبيت دعائم الترابط و الالفة وسد الفجوة بينها و بين مجتمع الصيادين.
وفي اطار سعينا لتوثيق تفاصيل الحدث و معرفة ما تعرض له القارب و طاقمه خصوصاً ان القارب يعود ريعه لابناء الصيادين المتوفين ورغبة حثيثة منا لنكون شركاء في الاجر والثواب و لتلمس الدور الانساني الجميل الذي بادرت الهيئة ممثلة في مدير عام المراكز عزيز العطيني الذي ينتمي لشريحة الصيادين و دور المشاركة المجتمعية التي بادر بها فريق الانقاذ من ابناء الصيادين ، و كذلك دور الهيئة العامة للمصائد السمكية في مبادرتها النوعية و قيامها بمسئوليتها تجاه الصيادين وعدم تخليها عنهم في مثل هكذا ظرف ، تواصلنا مع مدير عام الموانئ و الفريق الذي نفذ المشاركة المجتمعية و بادر بعملية البحث و انتشال القارب المفقود و ماكنته التي لاتزال بحالة جيدة و من الممكن صيانتها و اعادتها للعمل.
تم ابلاغي من مالك الجلبه سامي محمد يحي يوم فقدان قاربه و علي متنه اربعة صيادين و بحسب البلاغ ان ناخوذة القارب المفقود المرحوم محمد مجهصي اتصل بأخيه من جزيرة رشه يبلغه بأنه وطاقمه سيغادرون الجزيرة عائدين الى الحديده و ابلغه ايضاً ان الرياح شديدة جداً و ان المؤونة قد اوشكت على النفاذ و هذا ما سيجبرهم على العودة و لكن مر يوم كامل ولم يصل القارب فتقدم مالك القارب بإبلاغ الجهات الامنية و ادارة ميناء الإصطياد ، وقمنا يومها بالتعاون المجتمعي للصيادين بحسب العرف السائد بيننا نحن مجتمع الصيادين بإرسال عدة قوارب للبحث عن القارب وطاقمه و لم نعثر على أي اثر يدل عليهم الا بعد ثلاثة ايام وصلتنا اخبار بالعثور على الخزان و الذي تعرف عليه مالك القارب وبعض متعلقات الطاقم من ضمنها بطائقهم فأيقنا انهم غرقوا و توفوا و ابلغنا اهاليهم بذلك.
* العثور على القارب
بعد عام ونصف عثر الصياد عبده حسن غدير على قارب غارق حيث رمى بشباكه ( مكبر ) للصيد فعلقت شبكته بالقارب الغارق و وجدوه محاطاً بالاعشاب وقد تجمعت حوله الكثير من الاسماك فأنزل احد بحارته لفك الشبكة العالقة و الذي بدوره تعرف على القارب وعند عودته من رحلة الصيد ابلغ المالك سامي عن العثور على قاربه المفقود و على الفور التقينا بالأخ مدير عام الموانئ والمراكز عزيز العطيني الذي تفاعل مشكوراً معنا و وجه بتشكيل فريق بحث لتحديد موقع القارب الغارق و انتشالها و اعادتها الى الميناء ، كذلك عمل على تسهيل كافة الاجراءات و تقديم بعض الدعم بحسب الامكانات المتاحة.
* يقول الصياد حامد محمد عمر وهو رأس حربة فريق الإنقاذ و كان له دور كبير و فاعل في تقديم الدعم والمساندة.
بعد ان علمنا بالعثور على جلبة الصيد الغارقة تواصلنا مباشرة بمدير عام الموانئ و مراكز الإنزال اخونا وابننا عزيز العطيني الذي بادر مشكوراً باستدعاء العديد من اخوتنا الصيادين و بمبادرة ذاتية شكلنا فريق للبحث وتحديد موقع الجلبة الغارقة و قمنا بأحضار قارب كبير و غواصين ثم تحركنا حوالي الساعة 12 ظهرا متوجهين الى الموقع و ما ان وصلنا الى الموقع الذي قيل انه وجدت فيه الجلبة الغارقة انزلنا فريق الغواصين للبحث وتحديد الموقع ، استمر البحث حوالي ساعتين حتى تم العثور عليها الا اننا لم نتمكن من رفعها وانتشالها بالسهولة التي كنا نتوقعها اذ كانت الاعشاب قد احاطتها و التفت حولها العديد من شباك الصيد التالفة و امتلأت بالمياه مما صعب من عملية الرفع و انتشالها من مكان غرقها.
واضاف حامد استمرت محاولاتنا واصرارنا على رفعها الى الساعة 12 بعد متتصف الليل بدات جهودنا تثمر و استطعنا سحبها وهي ممتلئة بالمياه و حقيقة اننا عانينا معاناة شديدة حتى توفقنا بفضل من الله سبحانه و تعالى ثم بدعم و تشجيع الاستاذ عزيز و تكاتفنا نحن كصيادين المنطقة لأننا نشكل اسرة واحدة و نسيج اجتماعي موحد كان يزاداد اصرارنا على اخراج الجلبة و سحبها الى حوض الميناء وعندما وصلنا الى بوابة الميناء واجهتنا صعوبة اخرى اذ كانت الجلبة كبيرة و المد الشديد قلل من الغاطس الذي يسمح بدخولها و اظطررنا للإنتظار حتى امتلأ البحر و سمح لنا الغاطس بالدخول ، عدد الفريق 11 صياد كان البعض يغوص والاخرين يرفعون بالحبال ، كانت الجلبة الغارقة قد طمرتها الرمال و رغم كمية الحبال التي احضرناها الا اننا كنا كلما ربطناها و حاولنا سحبها تنقطع منا الحبال دون ان تستطيع تحريكها مجرد حركة مما اظطرنا للإستعانة بكرينات سحب حتى وفقنا و استطعنا سحبها والوصول بها الى الميناء.
* اما سامي لطف الله مالك الجلبة قال عرفنا ان الجلبة هي الجلبة التي كنت املكها و فقدت منذ عام و 6 اشهر بقيادة الناخوذة محمد يحي قبيصي وعدد اربعة صيادين اخرين كانوا قد خرجوا للصيد و استقر بهم الرحال في جزيرة رشة في منطقة الصليف مكثوا فيها ثلاثة ايام لم يصطادوا فيها شئ كثير اذ كانت الرياح شديدة و الموج عالي جداً والجلبة قارب تقليدي صغير لا يستطيع مصارعة الامواج و مقارعتها و لان مخزونهم من الطعام قد نفذ و انتهى تواصلوا بنا بأنهم سيغادرون عند الفجر عائدين الى الحديده و لكن يبدو ان القدر قد اتخذ قراره فما ان تحركت الجلبة لتعود بهم الينا زادت سرعة الريح و ارتطمت بهم موجة قوية اغرقتهم جميعاً.
انتظرناهم طويلا و لما ساورنا القلق بدأنا بالتواصل مع بعض الصيادين القريبين من المنطقة للبحث عنهم الا ان البحث في نفس اليوم لم يجدي بسبب قوة الريح في المنطقة التي فقدوا فيها ، استمر البحث عدة ايام وفي اليوم الرابع ابلغنا بعض الصيادين انهم عثروا على خزان الثلج مع دبات البترول في منطقة راس عيسى و لكن لا اثر للجلبة او للصيادين فأيقنا بانهم قد غرقوا وتوفاهم الله.
و اضاف سامي قائلا حقيقة انا ممتن جدا للجهد الذي بذله الاخ مدير الموانئ عزيز العطيني و بصمة الإهتمام التي لمسناها من جهة الهيئة العامة للمصائد السمكية التي اشعرتنا بانها جزء من نسيج الصيادين الإجتماعي تلامس همومنا و مشاكلنا و قضايانا التي نتعرض لها و تبذل كل الجهود الممكنة لحلها و معالجتها من خلال التحرك الجاد الذي قدمه الاخ مدير عام المراكز عزيز العطيني الذي منذ ان تقلد منصبه كمدير عام الموانئ وهو لصيق بنا كثير الإختلاط والتواصل بنا يتابع و يطلع على كل همومنا و قضايانا و هو يؤكد لنا الان ان الهيئة ستسعى لإعادة صيانة الجلبه و تسليمها للايتام من ابناء المتوفيين.
* كذلك تحدث عصام عوض النهاري حين تداول الاخوان الصيادين خبر العثور على جلبة سامي لطف الله المفقودة منذ عام ونصف سارعنا جميعنا للتواصل مع الاخ مدير عام الموانئ بالهيئة عزيز العطيني الذي نعتبره احد ابنائنا للتشاور معه حول الامر وهو بدوره وجهنا بالمبادرة لتشكيل فريق بحث و تأكيد مركز غرق الجلبة ثم رفعها و انتشالها و سحبها للميناء.
بدأ تحركنا مع حوالي الساعة 12 ظهراً حتى وصلنا الى الموقع و نزل فريق الغوص للبحث فلم يجدها بسبب (غبرة البحر) اي ان الرؤية تكون غائمة بداخل البحر ، تمت معاودة الغوص عدة مرات حتى وجدوها ، و باشرنا عملية التحديد و عمليات رفع و انتشال الجلبة و و اجهتنا صعوبات كثيرة حتى منتصف الليل تكللت جهودنا بالنجاح و سحبناها الى بوابة الميناء ثم واجهتنا مشكلة المد و انحسار المياه مما اظطرنا للإنتظار حتى وقت الفجر ....
مدير عام الموانئ و المراكز بالهيئة.
بالتأكيد اخي العزيز ان الهيئة العامة للمصائد السمكية قد وجدت للأهتمام بالقطاع السمكي من خلال تنفيذ مستدامة لرفد خزينة الدولة ودعم الإقتصاد الوطني ولن يتأتى لنا ذلك مالم نجعل الصياد محور اهتمامنا و رعايته اولوية لأنه بمثابة العمود الفقري للإقتصاد الوطني و من اهم الموارد البشرية الداعمة للإقتصاد في القطاع السمكي ، و عندما اجتمع الصيادون للتشاور معنا في امر الجلبة المفقودة منذ عام ونص و بالمصادفة تم العثور عليها و تعلقت امالهم اي الصيادين ان نمد لهم يد العون والمساندة لإنتشالها و اعادة صيانتها خصوصا ان في الامر جانب إنساني جداً لأن الجلبة يعود ريعها للأيتام من ابناء الصيادين المفقودين في حال ما نجحت محاولاتنا و استطعنا اعادتها للعمل ، قمنا بالتواصل مع قيادتنا بالهيئة الرئيس المهندس هاشم الدانعي و نائبه محمد العميسي و حقيقة انهم تفاعلوا مع الامر و وجهونا بإتخاذ الإجراءات اللازمة و تسهيل اي عقبات قد تعترضهم و بالفعل بادرنا بإستدعاء الصيادين وعلى رأسهم الصياد حامد محمد عمر الذي كان اول المبادرين و ترأس فريق البحث لإنتشال الجلبة الغارقة ، و ما إن وصل الفريق و بدأو بالبحث لتحديد موقع الجلبة بالضبط و من ثم عملوا على ربطها و محاولات انتشالها من تحت الماء ولكن للأسف كانت ممتلئة بالمياه و حولها الكثير من الشباك الملتفة حولها و الرمال قد غطت مساحة كبيرة منها و ثبتتها في الأرض ، محاولات مضنية بذلها الفريق استمرت ما يقارب 13 ساعة اجهدت الفريق و اتعبته و لكن ما لمسته فيهم من روح الالفة و الإاردة والتصميم كان يزيد من اصرارهم على النجاح و انتشال الجلبة مهما كلفهم هذا الامر من اجهاد و ضنك.
كنا جميعنا يدا واحدة و قلباً واحد حتى تكللت جهودنا بالنجاح واستطعنا انتشالها و سحبها و من مفارقات القدر المضحكة المبكية اننا في الوقت الذي فرحنا فيه بما حققناه من نجاح و شعرنا اننا سنعود الى بيوتنا لنرمي اجسادنا المتهالكة لترتاح فإذا بنا نواجه اشكال انحسار المد و اقلال الغاطس مما اظطرنا للإنتظار في بوابة الميناء بأنتظار ان يأتي الجزر و ترتفع المياه في الغاطس حتى نستطيع ادخال الجلبة الى حوض الميناء.
الحمدلله الان الجلبة بداخل الميناء و نحن نتشاور حالياً في احد امرين إما ان نعمل على اعادة صيانتها خصوصاً ان الماكينة ما تزال بحالة جيدة وهذا فضل من الله سبحانه وتعالى لاجل خاطر الاطفال الأيتام و اما شراء جلبة جديدة و هذا بالطبع في كل الحالتين سيتم منحه و تسليمه للأيتام بغية الاجر والثواب عند الله سبحانه و تعالى.
و احب ان الفت عنايتكم ان هذه المبادرة او الشراكة المجتمعية التي نفذت كانت بيننا نحن كهيئة المصائد السمكية و مجتمع الصيادين تعتبر بمثابة مبادرة نوعية و نواة مبادرات قادمة تخدم القطاع السمكي ككل و تسد الفجوة بل وتقرب من المسافة الواسعة التي بيننا نحن كهيئة وجهة حكومية قادرة على حل الكثير من المشاكل التي يعانيها مجتمع الصيادين و بين الصيادين الذين نعتبرهم بمثابة العصب الذي يدعم اقتصاد الدولة و يرفد خزينة الاقتصاد الوطني لتصبح الهيئة و شريحة الصيادين نسيج اجتماعي موحد لا يستغني احدهم عن الاخر.
واخيراً اوجه رسالة شكر و امتنان للاخ محمد حنش عيطان مستشار محافظ المحافظ لشئون الصيادين والاخ سامي صبيله نائب مدير ميناء الاصطياد وكل فريق الانقاذ الذين لم نذكرهم الذي كان لهم دور كبير وفاعل في البحث وانتشال الجلبة واعادتها الى ميناء الحديده السمكي.