عين الحقيقة/مقالات
شريم ...روح تهامة و اديبها
* فريد المساوى.
عندما يذكر الأدب والعلم والتواضع والكرم ، تشير سبابة التاريخ إلى هبة الله شريم ، شيخ مشائخ تهامة ، وقامة أدبية لمع نجمه في كل أرجاء اليمن .. فهو أديب ، وعالم، ومفكر ، وكاتب ، وإعلامي قلّ أنداده وإن فتشت التراث العلمي واﻷدبي لليمن .
هبة الله شريم.. ابن تهامة -جارة البحر وشقيقة البدر ، فاتنة جذابة بكل مقاييس الجمال ، الساحرة التي سكنت روحه قبل أن يكون ، وتربعت على عرش قلبه منذ أن كان في أعماق اللاوجود ، تلك هي اﻷرض التي أنجبت (شريم) وأرضعته الشعر من أبجديات حروفها الخمسة، فتأبى أن تنفك عيناك وأذناك حين تسمع كلماته الممتزجة بشهد العراقة الشعرية واتساع الثراء الثقافي والمعرفي الذي يمتلكه شريم .
ﻻيزال وقع كلمات إحدى قصائده الشعرية يضج في مخيلتي بموسيقى صاخبة عزفتها نايات لسانه الطلق ، وفصاحته التي ﻻزالت تقدح ذهني ﻷطلق ألف قصيدة تحتضنها السماء المتلبدة بالغيوم المحملة بأعذب قطرات نتاجه اﻷدبي الذي جمع بين اﻷصالة والحداثة .
كان - وﻻيزال- اﻷقرب إلى هموم أبناء تهامة وتطلعاتهم ، فكان اﻷقرب إلى قلوبهم بلا منازع .. حمل على كاهله قضية تهامة ، فحملته تهامة ﻷن يكون الجدير بثقتها وبثقة جميع أبنائها وحبهم ، وارتبط اسمها باسمه فلا تذكر تهامة إﻻ ويذكر معها هبة الله شريم .
جمع في شخصيته بين قوة وصلابة الشيوخ، وبين بساطة وتسامح تهامة ؛ فشكل مزيجا فريدا يعجز الباحث أن ينقب عن معدن نقي كنقاء معدن شريم ، فهو صداحا بالحق ﻻيخشى في الله لومة ﻻئم .. يقيم العدل بين رعيته ، وينصر المظلوم ويجير المستجير ، يطعم الجائع ويكسي العاري ، أب لكل يتيم ، ومأوى لكل شريد، وهاد لكل ضال.
أحبّ أن يبقى كما جبلته الطبيعة بساطة وتواضعا ،لم يغيره الدهر على أبناء جلدته ، يعيش في أوساط الفقراء، ويحتوي آﻻم البسطاء ومعاناتهم ، يطبب جراحهم ، ويشاطرهم آﻻمهم ، ويشاركهم كل أفراحهم ، بل ويثريها من بحر كرمه وعطائه السخي .
شريم .. سيظل لتهامة ذاتها التي تحلق في ميتافيزيقيا الحياة لترسمه على لوحة اﻷرض كائنا نورانيا يحمل كل ملامحها ، وينشد كل أحلامها ، ويرتل معاناتها بشلال من الشعر ﻻيتوقف جريانه ، سكنته تهامة فسكنها ، فأصبحت تهامة ﻻ ترى فيه ابنها البار وشاعرها المستهام يستحق حبها كحبه ؛ فهو أنفاس القصيدة في رئة سمائها ، وهو دماء اﻷبجدية في شرايين أوديتها منذ أول وهلة ﻻمس هواؤها جسده النقي .. فكان -وبدون أدنى شك- روح تهامة التي تحيا به ، وتهامة روحه التي يحيا بها .
*ختاما مع قطرة من ضوء هذه القامة الأدبية ..احدى روائعه الوطنية التي تغنت بها حنجرة اليمن ولسانها العذب ايوب طارش والتي عنوانها(ياشفاه الورد)
ومطلعها:
ياشفاه الورد في روض الخمائل
قبّلي الشمس وغنّي للسنابل
واسكبي الانداء للأرض جداول
حوّلي الصخر نجوما ومشاتل
في ربى الشعب اليماني المناضل.
إنه شعب النضال المتعاضم
خط في تاريخه أسمى الملاحم
فجّري الخيرات فيه يامناجم
واحشدي الطاقات عزما يامعامل
في ربى الشعب اليماني المناضل