إسطنبول: طالبت شركة “ستوك وايت” الدولية للمحاماة، الأربعاء، بمنح ولاية قضائية دولية للولايات المتحدة وبريطانيا وتركيا لتوقيف مسؤولين إماراتيين متهمين بارتكاب جرائم حرب في اليمن.
وقالت الشركة (مقرها العاصمة البريطانية لندن)، في مؤتمر صحافي، إنها تمتلك “أدلة على ارتكاب الإمارات جرائم حرب في اليمن، بينها ممارسة التعذيب والقتل خارج نطاق القانون واستخدام مرتزقة”.
كما نوهت الشركة في بيان صحافي إلى أنها قدمت أدلة ارتكاب الإمارات جرائم حرب وتعذيب في اليمن إلى دائرة شرطة العاصمة البريطانية ووزارة العدل الأمريكية ووزارة العدل التركية.
يأتي ذلك في أعقاب موجة بدأت منذ أكثر من عامين، ولم تنته بعد، تهدف إلى رفع الستار عن العديد من كواليس “جرائم ومحاولات اغتيال غامضة” في اليمن، لم يتم معرفة الجناة وقتها، إلا أن تحقيقا استقصائيا أمريكيا قام بتقديم العديد من الأدلة، يوضح وقوف الإمارات وراء هذه الجرائم عبر لاعبها الأشهر في المنطقة القيادي المفصول من حركة فتح الفلسطينية، محمد دحلان.
** استخدام المرتزقة
في أكتوبر/ تشرين الأول 2018، كشف موقع “بازفيد” الأمريكي منح الإمارات دور الوساطة لمحمد دحلان للتعاقد مع شركة الأمن الأمريكية الخاصة “سباير أوبريشن”، مكونة من عسكريين سابقين بالقوات الخاصة الأمريكية، بهدف تشكيل فرقة مرتزقة مهمتها اغتيال شخصيات سياسية ودينية مقربة من حزب الإصلاح اليمني.
ونقل الموقع عن أبراهام غولان، القائد السابق لبرنامج الاغتيالات في فرقة المرتزقة التي استأجرتها الإمارات في اليمن، وهو متعاقد أمني مجري – إسرائيلي، قوله إن “برنامج الاغتيالات المستهدفة في اليمن جاء بتكليف من دولة الإمارات”، وذلك عن طريق محمد دحلان.
وكان دحلان يوصف بأنه مرشح محتمل للسلطة الفلسطينية، لكن في 2007 اتهمته السلطة الفلسطينية بالفساد، واتهمته “حماس” بالتعاون مع الاستخبارات الأمريكية وإسرائيل.
وهرب دحلان إلى الإمارات، ويقال بأنه أعاد بناء نفسه كمستشار رئيسي لولي عهد الإمارات محمد بن زايد آل نهيان، الذي يوصف بأنه “الحاكم الحقيقي لأبو ظبي”.
ويسلط لجوء الإمارات إلى شركات عسكرية خاصة أمريكية “مرتزقة” الضوء على تطورات عدة تشهدها الحروب والصراعات الحديثة، ومن أبرزها تحول الحروب من النمط التقليدي، الذي كان يركز على تدمير القواعد الجوية أو ترسانات الأسلحة، إلى اغتيال أشخاص معينين، بشكل مشابه لأسلوب الجرائم العالمية المنظمة، بحسب موقع “بازفيد”.
كما يكشف أيضا عن خصخصة الحروب، ومزيد من الاعتماد من قبل الدول على شركات خاصة، وهي الشركات التي أدت الحروب الأمريكية في العراق وأفغانستان إلى إنشاء العديد منها بعد عودة الآلاف من عناصر القوات الخاصة من أرض المعركة، وتأسيسهم لها بدلا من التقاعد عن العمل العسكري، بما لهم فيه من باع طويل.
وأفاد “بازفيد” بأن ضابطا إماراتيا قدم للمرتزقة قائمة اغتيالات بها 23 بطاقة لأعضاء في حزب الإصلاح ورجال دين، كما أنهم حصلوا على 1.5 مليون دولار شهريا مع مكافآت خاصة عن كل عملية اغتيال ناجحة.
وفي هذا الشأن، قال الصحافي عبد الله سليمان عبد الله دبله، أحد الضحايا الذين تمثلهم شركة المحاماة “ستوك وايت”، إنه “نجا من هجوم بالقنابل استهدف مبنى حزب الإصلاح في عدن (العاصمة اليمنية المؤقتة) عام 2015”.
وأضاف أنّ “محمد دحلان هو من أمر بالهجوم”.
أما عادل سالم ناصر مفتاح، وهو ضحية أخرى في القضية ذاتها، فأشار إلى تعرضه للتعذيب “في مركز تسيطر عليه الإمارات”، لافتا أن أشخاصا آخرين تعرضوا أيضا للتعذيب في ذلك المركز.
من جهتها، قالت غولدن سونميز، محامية تركية، خلال المؤتمر الصحافي لشركة المحاماة المذكورة، إنها “مثلت ضحيتين يمنيتين، وهما لاجئان في تركيا في الوقت الحالي”.
وأضافت: “ولي عهد الإمارات (محمد بن زايد) وغيره من المسؤولين والجنود الإماراتيين كانوا من بين الجناة”.
كما أكدت سونميز أن لديها “أدلة كافية” تثبت تورط دحلان في عمليات القتل في اليمن من قبل فرقة المرتزقة.
** سباير أوبريشن.. ذراع الإمارات باليمن
أكد أبراهام غولان لـ”بازفيد” في أكتوبر أن الصفقة التي جلبت المرتزقة الأمريكيين إلى عدن “تم الاتفاق عليها خلال وجبة غداء في مطعم إيطالي بنادي الضباط في قاعدة عسكرية إماراتية بأبوظبي، كان مضيفهم فيها محمد دحلان”.
وعرّفت “سباير أوبريشن” عن نفسها على موقعها الإلكتروني بأنها شركة أمن أمريكية خاصة، تقدم مجموعة متنوعة من الخدمات العسكرية والأمنية من التدريب على إطلاق النيران لحماية مسؤولين ورجال أعمال، بما في ذلك استخدام الطائرات بدون طيار، وخدمات الأمن الرقمي ضمن تقنيات الحرب الإلكترونية.
وبالرغم من ذلك، فإن القانون الأمريكي لا يجرم الأنشطة العسكرية الخاصة، أو عمل مواطنين أمريكيين كمرتزقة صراحة. فمن المسموح به للأمريكيين الخدمة في جيوش أجنبية، إذ خدم ما يزيد عن ألف أمريكي في الجيش الإسرائيلي، إضافة إلى آخرين في الفيلق الفرنسي الخارجي. ومن هنا تتشكل إحدى المعضلات القانونية للتغلب على الطبيعة الرمادية التي تنشط فيها مثل هذه الشركات.
وكانت محكمة النقض البريطانية قد أصدرت حكما سابقا في يونيو/حزيران 2019 الماضي يدين فيه الحكومة البريطانية بمخالفتها للقانون، إثر تسليحها المملكة العربية السعودية، بعد أن أثبت نشطاء حقوقيون تورط الأسلحة الإنكليزية في جرائم حرب في اليمن.
ولكن هذا الحكم لم يكن يعني أن تتوقف بريطانيا عن تسليح السعودية، وهي الدولة الأكثر شراء للأسلحة البريطانية، إذ تقف العديد من المعضلات القانونية للوصول إلى حكم بهذا الحجم.
هرب دحلان إلى الإمارات، ويقال بأنه أعاد بناء نفسه كمستشار رئيسي لولي عهد الإمارات محمد بن زايد آل نهيان
وبناء عليه، من الصعب، على سبيل المثال، أن تؤدي دعاوى قضائية في الوقت الراهن إلى استحداث مواد في القانون الأمريكي بمنع وتجريم مشاركة أي مواطن أمريكي في أنشطة مرتزقة، أو أن تأمر محكمة النقض البريطانية حكومتها بوقف تصدير السلاح إلى الإمارات أو السعودية، رغم المطالبات الحقوقية.
وبالتالي فإن تخصيص الدعوى القضائية من شركة “ستوك وايت” الدولية للمحاماة بإعطاء ولاية قضائية دولية للولايات المتحدة وبريطانيا وتركيا لتوقيف مسؤولين إماراتيين متهمين بارتكاب جرائم حرب في اليمن قد يزيد من مقبولية الدعوى قانونيا.
ويأتي ذلك في الوقت الذي أدت فيه الحرب على اليمن من قبل التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات منذ اندلاعها في مارس/آذار 2015 إلى مقتل وإصابة ما يزيد عن 17 ألف شخص، وكان حوالي ربع ضحايا الغارات الجوية من النساء والأطفال المدنيين.
كما أدت الحرب في اليمن إلى معاناة أكثر من 20 مليون يمني من نقص الغذاء، نصفهم على الأقل في مجاعة، وفقا للتقرير العالمي لمنظمة “هيومن رايتس ووتش” الحقوقية.
** امتناع إماراتي وإنكار أمريكي
لم تصدر الإمارات أي تعليق رسمي بشأن هذه الاتهامات، فيما قالت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية إنه “ليس لديها أي معلومات عن برنامج اغتيالات مرتزقة في اليمن”، وذلك على الرغم من ترجيح خبراء لموقع “بازفيد” بأنه من الصعب جدا ألا تكون الولايات المتحدة الأمريكية على علم بذلك.
فالولايات المتحدة هي من دربت الجيش الإماراتي، وكذلك فإن شركة “سباير أوبريشن” مكونة من بعض عناصرها العسكرية الاحترافية السابقة.
ومن المرجح أن تؤدي هذه الدعوى القضائية إلى مزيد من اعتماد الإمارات على مكاتب المحاماة الدولية لمواجهة هذه الدعوى، حال قبولها، إضافة إلى شركات العلاقات العامة الأمريكية، والتي تعد الإمارات، إضافة إلى المملكة العربية السعودية، أكبر دول العالم في تمويل وعقد صفقات مع هذا النوع من الشركات.
وتعد “مجموعة هاربر” من أكبر الشركات الأمريكية التي تلقت تمويلا إماراتيا يزيد عن عشرة ملايين دولار، ومن ضمن الخدمات التي تقدمها الشركة، والتي تتخذ من العاصمة الأمريكية، واشنطن، مقرا لها، احتواء وإدارة الأزمات والفضائح التي تعصف بعملائها، في بيئات عالية المخاطر، حسب ما تعلنه الشركة على موقعها الإلكتروني.
فهل تنجح شركات الدعاية والمحاماة الأمريكية في حماية الإمارات مرة أخرى من مواجهة مسؤولياتها الدولية ضد جرائم الحرب المنسوبة إليها؟