دخلت الى المخفر مثقلة بالهموم والحزن يمسح وجهها الذي بللته دموع غزيرة .. وأجهشت بالبكاء وهي تستعد للكلام مع ضابط المخفر الذي انهال عليها بكلمات شفافة في محاولة لتخفيف وطأة الحزن الذي انتباتها .. لكن نبرة صوتها الخافتة كانت تنبئ بمصيبة كبيرة .. قالت للضابط فور ان جلست على الكرسي ان ابنتها الصغيرة ذات الأعوام الخمسة تعرضت لهتك عرض .. وبينما هي تتكلم سقطت على الأرض اذ لم تتحمل الصدمة العنيفة التي اصابتها فتم نقلها الى المستشفى .
وقد حضر والد الطفلة التي تبين انها ايضا تعاني من عدم النطق حيث زاد القضية تعقيدا بعد ان عثروا على بقعة دماء على ملابس الطفلة بما يثبت بما لا يدع مجالا للشك ان الطفلة " خرساء " وتعرضت الى هتك عرض من قبل وحش بشري ، وعلى الفور قام رجال الأمن والمباحث بجمع المعلومات من اجل اسقاط الوحش في قبضة القانون ، حيث قام الضابط بالتحقيق مع خالة الطفلة التي كانت هي الأخرى تعاني من صدمة كبيرة فقال لها الضابط : من تعتقدين قد هتك عرض الطفلة ؟ فردت : اكيد انه حيوان ولا يمكن ان يكون من فعل البشر ولكننا لا نعرف من هو ، واكيد انه غريب وهذا ما اشك فيه فعلا .
الضابط : هل سبق وان تعرض احد اطفالكم للإيـذاء ؟
اجابت : ما حدث اليوم لم نتعرض له طوال حياتنا واقسم لك لم نذق في حياتنا حزنا مثل هذا الحزن .. فالمجني عليها طفلة وخرساء ايضا .. اللعنة قليلة بحق المتوحش الذي ارتكب هذه الفعلة ؟؟
الضابط : وما الذي أكد لكم انها تعرضت لهتك عرض ؟
قالت : ملابس الطفة كانت ممزقة والشيء الآخر هو الدماء التي شاهدناها على جسدها ؟
الضابط : بصراحة لا اعرف ماذا اقول لكم ولكنني اكثر شخص متشوق للقبض على المجرم لأنه لا يمكن ان يكون من البشر ! فيجب ان نلقي القبض عليه بأسرع وقت ممكن .
وسأل الضابط في عدة اماكن قريبة من المنزل الذي تسكن فيه الطفلة فلم يجد افضل من البقال الذي قال عنه بعض الشهود إنه معروف عنه معاكسة الخادمات وعليه عدة مشكلات وان له علاقات عدة مع خادمات المنازل ، حيث تم اقتياده الى التحقيق كما تم القاء القبض على احد بائعي المشروبات الغازية حيث ابلغ الشهود ان اغلب الاطفال يتجمعون حوله ، وادخل الضابط البقال الى مكتبه من اجل التحقيق معه فنظر اليه الضابط والبقال في قمة الخوف وقال له : اريد منك ان تقول لي كيف اعتيدت على الطفلة ؟ فاحمر وجه الباقل وذهل وقال : لمن هذه التهمة ؟
الضابط : لك .
البقال : انا اعتدي على طفلة لماذا هل انا وحش لهذه الدرجة ؟
الضابط : انت ادرى ؟!
فصرخ البقال وقال : انا لم افعل ما تقول ، وهذا ظلم !
فصرخ الضابط في وجهه وقال له : هل تنكر انك راعي آسيويات .. كل خادمة تحضر الى البقالة تتحرش فيها ؟
البقال : انا بريء .
الضابط وهو غاضب : سوف أؤكد لك انك كذاب !
استدعى الضابط احد السكان القريب من منزل البقال وقال له : لقد دلت تحرياتنا ان البقال قد تحرش بخادمتك هل هذا الكلام صحيح ؟ فرد عليه الرجل : نعم .. وكان ذلك منذ قرابة الشهرين ، حيث ذهبت خادمتي في ساعة مبكرة من الصباح وابلغتني ان البقال عرض عليها 5 دنانير من اجل الاختلاء بها لكنها هربت منه الى المنزل وبعد ان ابلغتني توجهت الى البقال فوبخته فلم يتكلم لانه يعرف انه مخطئ !
الضابط : ولماذا لم تبلغ عنه ؟
الرجل : لقد سألت صاحبة الشأن ـ اي الخادمة ـ فقالت انها لا ترغب في رفع دعوى ضد البقال ! فاستجبت لطلبها وبصراحة ليس لدينا وقت كي نذهب الى المخافر ونتابع المشاكل . فنظر اليه الضابط وقال له : لو انها ابنتك هل تمتنع عن الذهاب الى المخفر ؟ فسكت الرجل فاخرجه الضابط ونظر الى البقال وقال له : انت الآن بين قول الحقيقة وبين ان تجني على نفسك وانا انصحك ان تتكلم بسرعة فهذا افضل لك !
البقال : اي حقيقة ؟
الضابط : اما زلت تنكر ان لك علاقات مشبوهة مع الخادمات ؟
البقال : لا انكر يا حضرة الضابط وصدقني انا اعرف انك تعلم كل شيء ولهذا لا اريد ان اكذب عليك ، فقال الضابط : سنسامحك على افعالك مع الخادمات ولكننا نريد ان تعرف كيف اغتصبت الطفلة الخرساء ؟ فرد عليه البقال : اي طفلة ؟!
الضابط : جارتكم فلانة .
فرد البقال : الطفلة الصغيرة ( ـــــ ) ؟
الضابط : نعم هي :
البقال : لا يا حضرة الضابط انا مستحيل ان اقترب من طفلة ولو كنت اسفل بني البشر على وجه الأرض ، فهي طفلة وانا عندي بنات في عمرها ، والشيء الآخر انها (( تكسر الخاطر )).
الضابط : انت رجل لا تريد الكلام بالذوق ويظهر انك تحب المشاكل !
البقال : إذا كنت تكلمني على موضوع الطفلة فأقسم لك بأغلى ما عندي انه لا يد لي في هتك عرضها وكلامي لن يتغير ابدا لانه الحقيقة ، فهذه القضية كالعار على جبين الرجل ، فلست أنا من يفعلها !
جلس الضابط معه جلسة طويلة الا انه كان مصرا على انه لم يهتك علرض الطفلة وليس له علاقة بالقضية ، فنظر اليه الضابط وقال له سنعرف فيما إذا كانت الفتاة ستتعرف عليك ام لا ؟
وكذلك تقرير الطب الشرعي سيظهر اذا كان لك علاقة بهتك عرض الطفلة ! فقال البقال : صدقني ليس لي اي دخل في المشكلة فأنا رجل ربما سمعتي سيئة ولكن لا تصل الى إيذاء الاطفال ، فقام الضابط بإدخال بائع المشروبات الغازية حيث لفت انتباه الضابط ان شكله يدل على أنه محترم للغاية وان عمره في منتصف الستينات اي أنه ليس صغيرا فقال له الضابط : يقولون عنك إنك تجلس وتجمع الأطفال حولك وتوزع عليهم المشروبات ؟ فرد عليه الرجل : وما العيب في ذلك .. هل فعلت بذلك مشكلة ؟
الضابط : ربما انت تتحرش بالاطفال .
البائع : اعوذ بالله من هذه الفعلة لقد فهمت قصدك ولكن اريدك ان تعلم ااني افظل بكثير من الكلام الذي تقوله عني ، فانا رجل ابو عيال ولم احضر الى الكويت لكي اعمل مشاكل .. لقد حضرت من اجل كسب الرزق ، والحمد لله لقد تحسن دخلي وقد طلب من الشركة عدم تجديد إقامتي لأنني لا أنوي البقاء ، فقد قررت الرحيل والعيش مع أولادي وزوجتي . فقال له الضابط : بعد فعلتك الشنيعة أكيد تفكر بالهرب :، فرد عليه البائع : عيب يا حضرة الضابط فأنا رجل وعيب على الرجال ان يعتدوا على الأطفال ، ثم ان سبب تجمع الأطفال حولي وترحيبي بهم هو انه كان لدي طفل صغير وقد تعرض للغرق في بلدي ، وقد دفن وانا هنا في الكويت وهذا دليل على أنني إنسان مسالم لا أؤذي الأطفال .. أعوذ بالله أنا لم اقترب في حياتي من الحرام فكيف اقترب من طفلة ، فبكى وقال بصراحة انا كرهت نفسي لأنك اتهمتني بهذا الاتهام الشنيع ، فقال له الضابط : طيب لماذا تأخذ الأمور بهذه البشاعة فكل إنسان معرض للسؤال حتى انا معرض للسؤال ، فانت تفعل ربما خيرا ولكن لا احد يعلم ، فالناس يفسرون الأسوأ دائما لأن لهم الضاهر ولقد استدعيتك لكي استفسر منك ، وصدقني ليس لدي أدنى شك بأنك رجل نزيه ولكن ما حصل مجرد تحقيق فلا تشعر بالاسى !
قال له الرجل : يعني انت اقتنعت ببراءتي ؟
الضابط : اجل ولكن لكي نقطع الشك باليقين ستأخذ منك عينة للفحص ، فخرج الرجل والدموع تملأ عينيه ، وبعدها بيومين صدر التقرير حيث اتضح من التقرير الأولي ان الطفلة قد هتك عرضها بطريقة ما ولكنها لم تغتصب ، وزادت حيرة رجال المباحث حيث اصبحت هذه القضية معقدة ، حيث قام الضابط باستدعاء الأم بعد خروجها من المستشفى وقال لها الضابط : طبعا انا اقدر الوضع في هذه القضية ولكن المدهش ان ابنتك لم تتعرض الى اي اغتصاب ولكنها تعرضت الى هتك العرض .. يعني يوجد شخص ما اراد بها سوءا ، فردت وهي حزينة : لا اعرف من هو ، واحضر الضابط الطفلة الصغيرة وقال لها وهو يشير بيدية الى بقعة من الدماء فكانت تصرخ بطريقتها الخاصة وتردد : (( أنا .. أنا )) فردت الأم : تقصد الخادمة يا حضرة الضابط ، حيث قام الضابط على الفور بالقبض على الخادمة التي كانت حينها تزور إحدى قريباتها في جليب الشيوخ حيث أدخلها الضابط الى التحقيق وقال لها عن ملابسات القضية إلا انها انكرت في البداية ولكنها اعترفت انها فعلت ذلك بسبب ان مخدومتها قد خصمت من راتبها مبلغا قدره خمسة دنانير ، فأحيلت الى المحكمة التي امرت بحبسها خمس سنوات مع الشغل والنفاذ .
الله اكبر من اجل هذا المبلغ الزهيد سلبتها اغلى ما تملك